الجمعة 27 يونيو 2025 09:14 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

طارق محمد حسين يكتب : إيران انتصرت!! كيف ذلك؟

الكاتب الكبير طارق محمد حسين
الكاتب الكبير طارق محمد حسين

وضعت الحرب أوزارها بين إيران وإسرائيل ومعها حلفائها ، وهنا تعود بنا الذاكرة مجددًا إلى الحروب غير المتكافئة وهي نوع من الصراعات بين طرفين متفاوتين في القدرات العسكرية والتكنولوجية ، فكيف يمكن اعتبار فيتنام، وأفغانستان، والآن إيران، أطرافًا منتصرة في مواجهتها لقوى كبرى مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائها من الأوربيين ، رغم الخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها ؟، الانتصار في الحروب غير المتكافئة لا يُقاس بعدد القتلى والجرحي أو حجم الدمار للطرف الأضعف، بل يتحقق حين ينجح الطرف الأضعف في الحفاظ على نظامه السياسي، والحفاظ على هويته واستقلال قراره ، وإحباط أهداف الطرف المعتدي ، وكذلك عدم التنازل عن حقوقه ، أضف الي ذلك كسب دعم شعبي أو إقليمي أو دولي، مع فرض شروط أو مواقف بعد انتهاء الصراعات ، ففي فيتنام تحقق الانتصار حين انسحب الأمريكيون وتوحدت البلاد، وفي أفغانستان، تحقق الانتصار حين عادت طالبان إلى الحكم بعد انسحاب القوات الأمريكية ،وكما قيل "إذا لم تستطع هزيمة العدو عسكريًا، اجعله ينهار من الداخل"، وهذا ما رأيناه بوضوح في حرب فيتنام، حين انقلب الرأي العام الأمريكي على حكومته بعد خسائر بلغت ما يزيد عن 58,000 جندي ومئات الآلاف من الجرحى ، وفي أفغانستان حيث أُنهكت الولايات المتحدة في أطول حرب تخوضها دون تحقيق أهدافها، الحالة الإيرانية لماذا يُمكن اعتبارها منتصرة؟ ،رغم التفوق العسكري والتقني لإسرائيل، والدعم الغربي الواسع الذي يشمل الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، وألمانيا، وغيرها من الدول غير المعلنة ، فإن إيران استطاعت إفشال الأهداف الرئيسية للهجوم عليها، فلم يتم إسقاط النظام، وهو الهدف الأهم الذي تفكر فيه إسرائيل من ١٩٧٩م ،لم يتم القضاء على المشروع النووي أو الباليستي نهائيا مع ما أصابه من أضرار جسيمة ، عدم تضرر معظم أجهزة الطرد ونقلها مع اليورانيوم المخصب وهو الأهم ، لم تحدث انشقاقات في الجبهة الداخلية رغم محاولات التحريض، فقد صمدت القيادة السياسية والشعبية أمام الهجوم،
بينما استمرت إيران في قصف العمق الإسرائيلي وفرض شروط لوقف النار مثل ضرب قاعدة العديد في قطر ، والتفاوض حول الضربة الأخيرة ، وهذه من أصعب ما يتم الاتفاق عليه ما يعرف بالضربة الأخيرة حيث إن لها اعتبار سياسي كبير ذلك إنه عادة يفرضها القوي في الحروب ، ثم سماح الولايات المتحدة الأمريكية بضرب قاعدة (العديد) في حد ذاته تفوق إيراني كبير في التفاوض، ذلك إن من المعروف الجبروت والكبرياء الأمريكية خصوصا في ظل حكم ترامب لا تسمح بمثل هذا التفكير فضلا عن الفعل ذاته ، إذ أن ذلك يعد إهانة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الخليج ،وهذا يعني أن إيران لم تُجبر على الاستسلام، بل تفاوضت من موقع الصمود، وليس الضعف، حتى رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو حاول تهييج الداخل الإيراني ضد النظام، وتدخل الموساد بعمليات داخلية كبيرة ، ومع ذلك فشلت الخطة في تحقيق الأهداف المرجوة، في فن الحرب والعلوم السياسية ، انتصار إيران لا يعني تفوقها العسكري الحاسم وإنما يكفي أن تُفشل أهداف العدو، تحافظ على كيانها السياسي، تستمر في المواجهة مع إرادة ووعي وتوازن، ومع ذلك استطاعت لمدة ١٢ يوم إن تستمر في القصف وقد أصابت الكثير من مصادر الطاقة والمعاهد والمباني ومراكز مهمة جدا داخل الأراضي الإسرائيلية فضلا عن بعض القواعد الجوية والمركز المالي الإسرائيلي ومعهد وايزمان العالمي المعروف ومقر الموساد والاستخبارات وغيرها ، وبناءً على ذلك، كما اعتُبرت فيتنام وطالبان منتصرتين، فإن إيران أيضًا يمكن اعتبارها منتصرة في هذه المرحلة، لأنها صمدت، وفشلت إسرائيل رغم دعمها اللامحدود من دول كثيرة بالمال والعتاد ،
وفي مقابل دولة ايران المحاصرة بعقوبات اقتصادية وعسكرية منذ خمسة وأربعين عاما ، ولم تستطع إسرائيل فعل الكثير بل طلبت إيقاف الحرب كذلك بعد تلقي ضربات موجعة ،كما إن إيران لم توافق على التفاوض في ظل الحرب وعندما فاوضت لم تتنازل عن أي حق من حقوقها فضلا عن الاستسلام في الحرب مقابل اعتى جيوش وأساطيل العالم، ولم تخشى تهديد ووعيد ترامب ، فضلا عن إعلانها استمرار مشروعها النووي والباليستي أثناء الحرب ، فنعم إيران انتصرت استراتيجيا ولا عزاء في الأمة العربية .

إيران انتصرت!! كيف ذلك؟ طارق محمد حسين الجارديان المصرية