الأربعاء 23 يوليو 2025 02:48 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

(د عماد خماج طرابلس بليبيا) يكتب : عبقرية المخرج الليبي عوض الفيتوري في عروض مسرح المايم: مسرحية ”إلى أين..؟” نموذجًا

 د عماد خماج
د عماد خماج

يُعدّ المخرج الليبي عوض الفيتوري قامة فنية متفردة في المشهد المسرحي الليبي والعربي، خصوصًا في إتقانه فن مسرح المايم، الذي يتطلب حساسية عالية للتعبير الجسدي وبراعة في السرد غير اللفظي. تتجلى عبقرية الفيتوري في قدرته على تحويل الصمت إلى لغة بليغة، والجسد إلى أداة سردية عميقة، وهو ما يتضح جليًا في مسرحيته "إلى أين..؟" التي شكّلت نموذجًا مضيئًا لهذا الفن، بمشاركة الممثل الموهوب حسين العبيدي، وبالتكامل الفني للسينوغرافيا والإخراج الخاص بالفيتوري نفسه.
المايم كلغة بصرية تتجاوز الكلمات
إن فن المايم، أو التمثيل الصامت، ليس مجرد غياب للكلمات، بل هو تكثيف للحركة والإيماءة ليصبحا هما جوهر الحكاية. يعتمد الفيتوري في "إلى أين..؟" على هذه الفلسفة بشكل مطلق، حيث تتحول خشبة المسرح إلى لوحة فنية تتشكل عبر حركة الجسد وتعبيرات الوجه. يبرع الفيتوري في خلق عوالم متكاملة من خلال الإيماءات الدقيقة التي تتجاوز حواجز اللغة، مما يجعل عروضه مفهومة ومؤثرة لأي جمهور، بغض النظر عن خلفيته الثقافية. هذه القدرة على التواصل الكوني هي إحدى العلامات الفارقة لعبقرية الفيتوري.
حسين العبيدي: جسد يتحدث
لا يمكن الحديث عن نجاح "إلى أين..؟" دون الإشادة بالأداء الاستثنائي للممثل حسين العبيدي. يمثل العبيدي امتدادًا لرؤية الفيتوري الإخراجية، فهو لا يكتفي بتأدية الحركات، بل يتغلغل في عمق الشخصية، مجسدًا صراعاتها الداخلية وأفكارها الخفية عبر أدائه الصامت. يمتلك العبيدي مرونة جسدية وقدرة تعبيرية فائقة تمكنه من ترجمة أدق المشاعر والأحاسيس إلى حركات وإيماءات، فيصبح جسده لوحة حية تعكس المعنى دون الحاجة لكلمة واحدة. إن التناغم بين رؤية المخرج وأداء الممثل هو ما يمنح العرض قوته وجاذبيته.
سينوغرافيا وإخراج: رؤية متكاملة من الفيتوري
تتكامل عبقرية الفيتوري ليس فقط في توجيهه للممثلين، بل في قدرته على بناء السينوغرافيا التي تخدم النص الصامت وتعمق من دلالاته. في "إلى أين..؟"، لا تكون السينوغرافيا مجرد ديكور، بل هي جزء لا يتجزأ من السرد البصري. يستخدم الفيتوري عناصر بسيطة ورمزية في السينوغرافيا لتعزيز الرسالة وتوجيه انتباه المتلقي نحو الحركة والمعنى. هذا الوعي العميق بأن كل عنصر على خشبة المسرح يجب أن يخدم الرؤية الفنية الكلية هو ما يميز إخراج الفيتوري، ويجعله متفردًا في قدرته على خلق تناغم بصري وفكري شامل. إن اختياراته الذكية للإضاءة، والألوان، والمساحات تساهم في بناء الجو العام للعرض وتعميق التجربة الجمالية للجمهور.
خاتمة
تمثل مسرحية "إلى أين..؟" لعوض الفيتوري، بتعاونها المثمر مع حسين العبيدي في الأداء، وببراعة الفيتوري في السينوغرافيا والإخراج، نموذجًا يحتذى به في فن مسرح المايم. لقد أثبت الفيتوري أن المسرح يمكن أن يتجاوز حدود اللغة، وأن الجسد يمكن أن يكون أداة تعبيرية غنية بالمعنى والعاطفة. إن مساهماته في المسرح الليبي والعربي تؤكد على عبقريته كمخرج يمتلك رؤية فنية عميقة، وقدرة استثنائية على تحويل الصمت إلى صخب من المعاني.

1d02c97b9cf4.jpg
(د عماد خماج طرابلس بليبيا) الجارديان المصرية عبقرية المخرج الليبي عوض الفيتوري في عروض مسرح المايم: مسرحية ”إلى أين..؟” نموذجًا