دكتورة مارى جرجس رمزى تكتب : ما هو التنمر ؟


ظاهرة موجودة منذ قديم الأزل, بدرجات متفاوتة, تشكلها عوامل نفسية واجتماعية وتربوية لا عد لها ولا حصر.. ولكن مما لاشك فيه أنها باتت في أوج درجاتها وأوضح صورها في زمننا الحالي ومع التواصل الاجتماعي الفائق السرعة.. وفي هذا المقال نجهز بمشرط جراح محترف حاد وندخل في أغوار خفايا وأسرار هذا المرض النفسي الخبيث المعروف باسم التنمر ونسلط الضوء علي صفات وملامح هؤلاء المرضي وكيفية الوقاية من آثاره علي الأسوياء حتي لا يصبحوا ضحايا بسبب عدم المعرفة والجهل بتلك الأسرار.
دعونا في البداية نتعرف علي ماهية التنمر.
وهو وببساطة سلوك عدائي يقوم به شخص ما (المتنمر) عن عمد وقصد والهدف منه إيذاء مباشر لشخص آخر (المتنمر عليه) وهذا الإيذاء قد يكون جسديا أو نفسيا..
جسديا عن طريق التعنيف باستخدام القوة البدنية, ونفسيا عن طريق عدة حيل وأدوات كالإساءة اللفظية المباشرة أو السلوكية الفعلية كنظرات لها معان سيئة أو النبذ خارج المجموعة أو النميمة والاغتياب وتأليف الشائعات باستخدام جزء بسيط من حقيقة ثم تلويعها وبناء أكاذيب فوقها ليسهل تصديق الكذبة..
ولكن هل هذا المتنمر بالقوة التي يبدو بها في مظهره الخارجي المتعدي والمسيطر علي اللقطة الراهنة وقت التنمر؟!!
ستتفاجأ بالإجابة غير المتوقعة وهي أن هذا المتنمر يشعر بتدن غير مسبوق واحتقار رهيب للذات وبقدر النقص الذي يعاني منه يحاول جاهدا إيذاء كل من يتميز عنه ولو قليلا ليوهم نفسه بالكذب إنه الأفضل والأقوي والمسيطر..
مرض نفسي مدمر لمن يصاب به وكذلك علي المتنمر عليه إذا لم ينتبه جيدا لمرض هذا الشخص ويدرك أن المشكلة لا تخصه لا من بعيد ولا قريب فليس علي المجنون حرج وعليه إيجاد الطريقة المثلي في التعاطي مع تلك النماذج البائسة من حوله دون أن يصاب منها بأي أذي.
ودعونا نتكلم قليلا عن أسباب هذا المرض النفسي.
أول سبب هو تدني الذات وحقد (المتنمر) والشعور بالغيرة مما حققه (المتنمر عليه) أو ما أنعم الله به عليه وميزه, وتراه يتساءل في نفسه لماذا لم أحقق أنا هذا النجاح لماذا لم يكن لي عائلة كعائلته أو مكانة اجتماعية مرموقة كمكانته أو عقلا راجحا كعقله لماذا لا يحبني الناس كما يحبونه.
وقد يمتلك (المتنمر) من المال والثراء أضعاف ما يمتلكه (المتنمر عليه) لكنه أدرك أن ماله يقف عاجزا أمام شراء ما يمتلكه الآخر فيحترق حقدا وغضبا..
وتبدأ خطة الانتقام التي يظن أنها ستطفئ نار قلبه ولو قليلا..
ودقق النظر قليلا يا صديقي ستجد أن لكل متنمر بضعة أشخاص اجتمعوا معه علي نفس الهدف لأنهم مصابون بنفس الداء اللعين فيجدوا عزاءهم وسلواهم في جمعهم البائس لأن علاجهم الوهمي واحد..
فعلي كافة الأصعدة تجد مجموعة متشابهة في اللاقيمة تجتمع علي قلب رجل واحد لتنفث عن بؤسهم في صورة نميمة عن شخص ناجح أو الطعن في سمعته أو تأليف قصص خيالية كاذبة عنه.
وتجد الارتياح البائس الواهم قد بدأ يتسلل إلي نفوسهم المكسورة الفاشلة فيهدأ إحساسهم بالدونية ولو لثوان معدودات متخيلين أن انتقاصهم من قدر الغالي قد يرفع قدرهم الذليل قيد أنملة عسي أن يجدوا لهم مكانا ضئيلا في ركب الكبار ولكن هيهات..
وما هي إلا ثوان وينصرف الجمع المريض ليدرك كل منهم أنه لم يزحزح عرش الراقي إلا في خياله المعطوب هو وأشباهه ولم يزده التنمر إلا ذلا وهوانا في أعين العقلاء العارفين الفاهمين أن العيب لا يخرج أبدا إلا من أهل العيب, فالحكيم يدرك جيدا أن سليط اللسان سيئ اللفظ هو المعيوب ومن ينعت غيره بكلمات سيئات إنما يصف حال قلبه ونفسه ومن يغتاب غيره إنما لإنه يفضله.. فبات العاقل يشك فيمن يتكلم بالسوء عن الآخر بلا لحظة تردد والحياة تؤكد له صحة ظنه مع الأيام والعشرة..
أما الحمقي الذين ينساقون خلف آذانهم واستبدلوا عقولهم بها فخسارتهم المبكرة هي أكبر مكسب فمن لا يجيد التفكير بعقله الحر والتعامل المباشر مع من حوله ويكتفي بأن يفكر بأذنيه أو يجعل الآخرين يفكرون نيابة عنه حسب أهوائهم ومصالحهم وأحقادهم أو جهالتهم ونقلهم الساذج لحكايا تفتقر للصدق فهو يستحق أن يصل به الحال بأن يبيع ذهبا بأبخس الأثمان لمجرد أن خبيثا أو جاهلا أقنعه أنه صفيح ويشتري صفيحا بثمن الألماظ
الحر لنفس السبب وسرعان ما يكتشف الصدأ الذي يغطيه بل يضرب فيه حتي النخاع فيجد نفسه الخاسر الوحيد..
خسارة هؤلاء الأغبياء أكبر رحمة من الله وأعظم رضا منه علي إنسان يحبه ويحميه حتي لو جاءت تلك الخسارة عن طريق أن يسمح الله بتقبيح شخصك في أعينهم الغبية التي لا تستحقك من البداية ليرحمك منهم بقية الحياة ثم يعوضك بالجواهر التي تستحقها عوضا عن نفايات لا تليق بقلبك النقي.
هذا أقصي ما يفعله المتنمر ويستخدمه الله لفعله أن ينظف الطريق أمام الناجح المميز المستقيم من المرضي والأغبياء فيبيت الطريق أكثر وضوحا وجمالا ونقاء ومثالية.
أما عن الطريقة المثلي للتعامل مع المتنمر هي ألا تتعامل معه من الأساس واعتباره كمن يعاني من مرض الجرب إن اقتربت منه لابد أن تصاب.
هو فاشل فارغ منهزم نفسيا قبيح اللسان ليس له ما يبكي أو يخاف عليه.
يراك ناجحا كالنجم الساطع أو ربما تحظي بظروف مميزة فماذا يفعل فيما منحه الله لك وحرم هو منه؟؟ عساه يخرجك عن سعادتك بنجاحك وواقعك المضيء ويعكر صفو نفسك ولو قليلا.
لا يملك إلا أن يحاول بكل الطرق جرجرتك وسحبك ثم سحلك إلي الوحل, وحلته البائسة وجحيمه الأرضي قبل الأبدي حيث مقره ومستقره إما بنظرة أو كلمة أو نميمة
أو إشاعة مغرضة ليجتذبك للتشابك معه فيسقطك من فوق عرشك إلي مزبلته الفكرية والأخلاقية والعقلية فلا يعود العاقل يميز بينكما فكلاكما الآن تتمرغان في وحل واحد.
سئل حكيم لماذا لا ترد علي من يسيء إليك فرد بمنتهي الهدوء والسلام النفسي والثبات الانفعالي هل من العقل والحكمة أن أنبح علي كلب أو مجموعة كلاب تنبح علي؟!!
وحذر الحكماء أهل الرقي والنجاح من أعداء النجاح والانزلاق معهم في سجال عقيم وشبههم بالخنازير العفنة التي تعمل ما في وسعها لجذب الناجح إلي حظيرتهم ووحلتهم فيتسخ هو ويستمتعون هم.
إذا سيبقي الرد الأمثل علي هؤلاء المساكين الذين جمعهم العجز والبؤس النفسي والعقلي هو الإهمال التام دعهم يقولون ما شاءوا ويدعمون بعضهم البعض في نيتهم الشريرة ولا يهتز لك شعرة ولا تفارق البسمة وجهك وقلبك وتأكد جيدا أن تلك هي ضريبة النجاح والتميز وأشكر ربك أن شغلهم بك ولم يشغلك بهم وعفا عنك هذا الذل النفسي المتسربل في ثوب قوة كاذبة بائسة.
أكمل طريقك ولا تبتلع الطعم الساذج وتستهلك طاقتك الإيجابية وتحولها إلي سلبية تعكر صفو عقلك وإبداعك واترك مظلمتك كاملة بين يدي الله مؤمنا أن من لوث سمعة شخص بالباطل سيأتي من يلوث سمعته بالحق
ومن سعي لقطع رزق سينقلب ذلك بمزيد من الرزق علي هذا الشخص وسينقطع رزق المؤذي ورزق أولاده وتنغلق أبواب الرحمة في وجوههم ومن حاول أذية غيره سيسلمه الله وتنقلب المحاولة إلي خير وبركة أما المؤذي فقد كتب اللعنة والشر بنفسه لنفسه وأولاده وكل من كان عزيزا علي قلبه.
إنها ثوابت وحقائق وواقع يعيشها المؤمن السائر في درب الوصايا كل يوم
وفي النهاية نصلي من قلوبنا لأولئك المرضي المحرومين من السلام عسي الله يعفي عنهم ويهديهم ويرحمهم قبل فوات الأوان.